روائع مختارة | روضة الدعاة | أدب وثقافة وإبداع | ورطات علم النفس الغربي المعاصر!

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
روائع مختارة
الصفحة الرئيسية > روائع مختارة > روضة الدعاة > أدب وثقافة وإبداع > ورطات علم النفس الغربي المعاصر!


  ورطات علم النفس الغربي المعاصر!
     عدد مرات المشاهدة: 3318        عدد مرات الإرسال: 0

أثارت مقالة د. السامرائي اللطيفة حول -أيهما أسبق العاطفة أم العقل؟- شجونا طويلة تتعلق بالورطة الكبيرة التي أقحمنا فيها علم النفس الغربي المعاصر طيلة المئة سنة الماضية، كلما جاء ذكر هذا الموضوع إستحضرت مثلا عاميا عندنا -العود من أول ركزة- ويقصدون أن البدايات إذا كانت خاطئة فكل ما يتبعها سيكون كذلك.

أرجو ألا يكون هذا الكلام صادما لأحد، فهو ليس تآمريا على الغرب، ولا ينطلق من منطلقات شعوبية أو عقدية، وليس مصابا بمتلازمة الماضوية، لكنه يتأسس على أصل علمي واقعي. وخلاصته أن الركزة الأولى لعلم النفس الغربي كانت خاطئة، ونقصد بالركزة الأولى المدخل والمنحى الذي يتعامل به علم النفس مع الإنسان، فالنظريات النفسية الغربية الكثيرة، كلها تقريبا متورطة في هذا الخطأ المنهجي الكبير، المتمثل في الرؤية الجزئية للنفس البشرية، فأصحاب كل نظرية ينظرون للإنسان من جزئيتهم التي فهموا النفس البشرية من خلالها. فصار لكل أصحاب نظرية ثقباً يطلون من خلاله لهذه النفس المترامية الأطراف، فينظر كل صاحب نظرية من ثقبه الصغير الخاص به، لرؤية ما يمكنه أن يعصر عينيه ويهصر رقبته لينظر أكبر ما يمكنه النظر إليه، فإذا رأى شيئا طار به فرحا، وقال وجدتها وجدتها!، فلو كان في المكان الذي ينظرون إليه فيلا، قال بعضهم: الفيل شيء طويل مجوف أملس، وقال الآخرون: بل هو عمود مستدير كالإسطوانة، وأكد غيرهم أنه شيء صلب أبيض مدبب منحني، أما من رأوا مؤخرة الفيل فلا تسل كيف وصفوا ما رأوه!.

فصارت لنا ثقوب كثيرة في جسد النفس البشرية بعدد النظريات الغربية، فثقب ننظر منه للسلوك، وثقب للمعرفة والإدراك، وثقب للإنفعال والعاطفة، وآخر للغرائز، وآخر للعقل الباطن، وهلم جرا وسحبا.

وترتب على هذه الورطة النفسية ورطة أخرى تابعة لها، وهي: التعسف في التأصيل النظري، فتجد صاحب كل ثقب أعني كل نظرية يتعسف غاية التعسف ليفسر كل ظواهر بني آدم لتتطابق مع نظريته، فإن أعياه ذلك، إستلف شيئا من نظريات غيره، وربما غير اسمه.

ويحهم ورطونا معهم، فصرنا تبعا لهم كذلك، كل واحد تبعا لجامعته التي درس فيها وأستاذه الذي أشرف عليه، ولا يلام أحد في ذلك، لأننا نرطن منذ خمسين سنة، ولم نقدم للبشرية نظرية نفسية علمية متكاملة، ولم نواصل جهود المتقدمين، وقد كان بنا حريا لو فعلنا، لوجدنا أنفسنا الآن أصحاب نظرية نفتخر بها ونعتز.

الإنسان ليس أجزاءه، بل ليس هو مجموع أجزائه أيضا، إنه أكثر من أجزائه حين تجتمع وتتفاعل، كنت طبيب امتياز في مرحلة التدريب، أعمل مع فريق طبي، نتابع حالة مريض منوم لديه عدة أمراض، فصادف أن إجتمعت عند رأس المريض 3 فرق طبية، فقال أحدهم وانا أسمع: من أنتم؟ فأجاب صاحب الصدرية وقد حلق بإبهامه والسبابة مشكلا دائرة، نظر من خلالها بعين واحدة وقد أغمض أختها: أنا الذي يتابع الرئة!. ففعل مثله صاحب الكلى وقد حدق بعينه في ثقب الدائرة، وقال: وأنا الذي أتابع الكلية!، وقال الثالث من الطب النفسي: وأنا الذي يتابع النفس!، وصدمني حين فعل مثل ما فعل سابقاه. قد كان مشهدا مثيرا لطبيب حديث التخرج، صبغ حياتي المهنية كلها، ورؤيتي للطب والإنسان. كلا كلا.. نحن لسنا أجزاءنا نحن أكبر من ذلك، أنا لست كلية! أنا لست رئة! أنا لست نفسا! أنا أكبر من ذلك، ولقد كرمنا بني آدم.

لو أن علم النفس الغربي بما فتح الله عليهم من فتوحات كثيرة منهجية، سلموا من هذا الخطأ، ونظروا للإنسان كلا متكاملا، ومنظومة كلية، تماما كما كانت النظرية النفسية السائدة لدى المسلمين طيلة القرون المتعاقبة، لكان علم النفس المعاصر على غير ما هو عليه الآن قطعا وجزما، وسيتخلصون من إشكاليات كثيرة منها إشكالية جدلية حول أسبقية العاطفة أو التفكير، لأنهم بوضوح ليسوا بحاجة لإثبات هذا أو ذاك، وسيكون علم النفس أفضل وأمتن وأقل خلافا وشتاتا ونزاعا، خاصة أن الغربيين قد آتاهم الله منهجا بحثيا جيدا، وأدوات بحثية تساعد للوصول للحقيقة لو صحت المنطلقات، أما والمنطلقات خاطئة فبماذا ينتفع الأعمى بالمصباح.

وبذلك قد آن الأوان ورب البيت أن ننطلق من هذا المنطلق الرحب الواسع المتين في فهم النفس، لنكمل ما بدأه المتقدمون في تأسيس نظريتهم، ونستفيد من العلم الغزير المنشور عند الغربيين، ونشكل ملامح نظريتنا النفسية المتكاملة، إن الغرب لا يزال إلى يومنا هذا يعدل ويضيف بل ويؤسس نظريات جديدة، أيكون حلالا لطيورهم الدوح والغناء، وحرام علينا وموبقة كبيرة أن نتجرأ بالكلام والهمس والهمهمة!.

لا والذي خلق لنا حرف الضاد، وميزنا به عن باقي خلائق المعمورة، لن نكتفي بالهمهمة، بل سينطقنا الله بالحق الجليل، وسنخرج للناس بعون الله نظريتنا النفسية المتكاملة، إني أرى هذا قريبا لو تضافرت الجهود، وقيض الله لنا من يفتح الطريق، وجعلنا نقطة البداية إستكمال ما بدأه المتقدمون من نظريات نفسية قوية متينة.

الكاتب: د. خالد الجابر.

المصدر: موقع المستشار.